تقويم ما مضى من حكم غزواني

الدكتور عبد السلام ولد حرمة رئيس حزب الصواب

في إحدى كتاباته المكثفة يقول عبد الرحمن منيف (نفترض، بعض الأحيان، أننا مادمنا خارج السجن فنحن أحرار، ونظل في هذا الوهم إلى أن يطبق الفخ على أقدامنا، وعندها نندم لأننا لم نفعل شيئاً، ليس فقط لئلا ندخل السجن، وإنما لأننا لم نفعل ما يجب علينا لكي لا يكون السجن أصلاً ». وشبه أحد البلغاء المحليين حكام موريتانيا بجحش البراري يقضي أشهره الأولى لطيفا ناعم الرؤية ثم يؤول إلى ما يعرف به في أطوار عمره اللاحقة. ورغم دقة التشبيه يبقى من وجهة نظرنا الاستثناء قائما في كل قاعدة، ومدخل هذا الاستثناء  المرجو أن يدرك النظام الحالي ما يهدد السلطة الديمقراطية، وأخطره حين تعتبر نفسها على حق في كل الأحوال .وتغض الطرف عن أصوات منتقديها وترفض أي شكلٍ من أشكال الحوار  السياسي معهم.

فما تحتاجه سلطة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الآن للتخلص من أعطاب الماضي المهددة لبقاء الدولة والمجتمع هو خلق أدوات حكم جديدة على مستوى البنية السياسية تنجز على الأرض ما يعطي الأمل باستعادة الدولة لهيبتها، وتقوية لحمتنا الوطنية وسلمنا الأهلي، وتخفيف ضغط الاستقطاب المتنامي داخله منذ سنوات، وتضع برنامجا خطواته مشاهدة التقدم نحو فتح وإنجاز ورشات الإصلاح الكبرى  والانتقال الديمقراطي.

قبل سنة  بدا النظام ممسكا بأوراق قوة كثيرة وتوافقات واسعة حوله،  رغم الأزمة العالمية التي خلفها الفيروس التاجي، وذلك حين أشاع مسحة أخلاقية كانت معدومة وأكد نية الانفتاح لديه، لكن الأمور بقيت وعودا خالية  من سند واقعي وسرعان ما استسهلت أجهزته ارتكاب الأخطاء الفادحة في مجال الحريات العامة وعدم احترام المساطر  القانونية وانتشرت التقارير والتحقيقات حول صفقات النهب والفساد وسوء التسيير في عهده وترك وحش الحرابة وتجار  المخدرات خارج السيطرة .

عامان مدة زمنية طويلة في زمن تقيم فيه أعمال حكومات العالم خلال ثلاثة أشهر فقط، الآن لا نرى أي مشروع على الطاولة لإصلاح الإدارة وتحديثها، وجعلها في خدمة المواطن، وتخليصها من لوبيات تعرض وتقدم خدماتها لكل سلطة مقابل أن يترك نفوذها المدمر في دهاليز  القرار الإداري والمالي وتوسيع حجم المرفق العام ليخدم المرفق الخاص.

وما جدوى الكلام المتكرر عن الإصلاح دون أن يجد هذا الإصلاح طريقه إلى أرض الواقع؟

وما جدوى إعداد تقارير الرقابة والمحاسبة إذا لم يكن هناك ما يترتب عليها، والحديث عن إصلاح التعليم في ظل ازدياد أزماته وتفاقمها، والتعويض عن محاورة نقاباته والبحث في عرائضها المطلبية باقتطاعات عالية ومجحفة في رواتب مضربين منهكين هي بمثابة مد مزيد من أعواد الثقاب في حطب يابس وحرارة مرتفعة.

استمرار هذا الوضع يعني بقاء الحال على ما كان عليه واشتداد قبضة ثلة من المتنفذين تسلمهم كل سلطة لأخرى يرفضون الاعتراف بواقع البؤس الذي خلفته عقود الفساد والنهب وسوء التسيير  ويصرون على حصر اقتسام الثروة وعائدات النمو بينهم وترك الأنين والمرض والجهل والمعاناة دولة بين عموم الشعب الموريتاني .

مقاربتنا نحن أن الإصلاح المطلوب ينبغي أن يكون من خلال محاورة جميع الفاعلين وفتح المجال السياسي المغلق ووضع برنامج متفق عليه ما زال الوقت أمامه متاحا رغم الفترة الطويلة التي خسرناها ونحن ننتظر.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك