هل يخسر الرئيس غزواني الرهان الشعبي؟

فتح خطاب الترشح الباب واسعا للحديث عن خلاف جوهري بين المرشح غزواني وسلفه « عزيز »، وتعززت هذه الفرضية بعد الخرجة الإعلامية التي أعلن فيها الرئيس ولد عبد العزيز عن ترشيح غزواني لنفسه « امرشح راصو »، ومكنته صورته الجديدة بعد الخطاب في تلك المرحلة من الحصول على دعم أطراف وشخصيات من خارج الأغلبية  ظلت على خلاف مع حليفه طيلة فترة حكمه، وإن بقيت الشكوك والمخاوف تساورها من وجود علاقة « عضوية » تربط الرجلين وتجعل من تبعية الرئيس الجديد لسلفه أمرا واردا. وكما كان الحال أيام ترشحه فقد استمر الجدل حول الاستقلالية طيلة الحملة الانتخابية، وتعمق أكثر خلال الأشهر الأولى التي أعقبت نجاحه في الانتخابات الرئاسية.

لقد مكن أسلوب الرئيس غزواني الهادئ، وخطابه التصالحي من تهدئة الجبهة السياسية، مما مهد الطريق بسرعة أمام إيقاظ المعارضة التقليدية من صدمة نتائج الانتخابات الرئاسية « المرفوضة » وجعلها تمنح الرئيس هدنة مجانية  كعربون صداقة جديدة وبادرة ود في انتظار قابل الأيام.

وقد استغل الرئيس  المنتخب هذه الوضعية السياسية الاستثنائية لخوض معركته الداخلية  لحسم السيطرة على مراكز القوة والنفوذ،

فتمكن من تحقيق نصر عسكري خاطف غداة 27 نوفمبر 2019، تمثل في تحييد الأذرع المزعجة لسلفه وإدخال قوة الحرس الرئاسي تحت سيطرة جهاز الدولة لأول مرة منذ عقود وإعادة ترتيب المراكز الأمنية والوحدات العسكرية بما يلائم نظرته للوضع داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية.

وبنفس العقلية العسكرية أيضا تم حسم السيطرة على الحزب الحاكم، لإنهاء الجدل المثار حول المرجعية.                                                             

كان من شأن هذه التطورات الحاصلة على مستوى قمة هرم السلطة، أن تسرع من ديناميكية التحرك نحو الخروج من جلباب ما بات يعرف بمرحلة « العشرية »، تحت غطاء دعم عريض وثقة معلنة من طرف أغلبية الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والإعلاميين في الساحة الوطنية؛ وخصوصا في ظل تشكل رهان شعبي نادر حول الاختيارات الكبرى للرئيس غزواني  في مجالات  محاربة الفساد والاهتمام بالفئات الهشة داخل المجتمع ومحاولة تخليق الحياة السياسية.

 فهل تنقلب الصورة بعد أن بدأت قطاعات واسعة من المراهنين على حكم الرجل في التعبير عن شعورها ب « خيبة الأمل »  نتيجة غياب « القوة والصرامة » في تنفيذ ما تم التعهد به من برامج والتزامات، وبطء التقدم والحسم  في ملف محاربة الفساد واستمرار السلطة  في لعبة تدوير نفايات الأنظمة السابقة؟ وكيف حصل ذلك بعد أقل من عامين من ممارسة السلطة؟

حصيلة متواضعة

بهدف تسريع تنفيذ برنامج « تعهداتي » للرئيس المنتخب، أطلقت الحكومة  برنامج « أولوياتي » الذي تضمن على الخصوص ما تمت تسميته بالأنشطة سهلة التنفيذ المرتبطة بظروف حياة المواطنين من خلال القيام ب 25  إجراء ونشاطا في مجالات حيوية للسكان والنشاط الاقتصادي  والتنموي للبلد.

ومع ظهور جائحة كوفيد19 أعلنت السلطة عن خطة جديدة لمواجهة الوباء تمثلت  في إنشاء صندوق لمواجهة كورونا  بلغت المساهمات فيه مع نهاية شهر يناير2020 مبلغ 4,3 مليار أوقية جديدة وجهت لدعم قطاع الصحة ومؤازرة الأسر الفقيرة.

 ومع مطلع شهر سبتمبر 2020 تم الإعلان عن »خطة الإقلاع الاقتصادي » في خطاب رئاسي رسمي بتمويل قدره 700 مليون دولار يتم استثمارها بغية توفير الظروف المواتية لإقلاع اقتصادي مستديم وشامل, وكان من الطبيعي أن ترفع هذه البرامج والمبادرات والخطط المعلنة، سقف انتظارات المواطن الذي أصبح يتطلع بشغف لثمار هذه السياسات وانعكاساتها على المناحي المختلفة لحياته.

وفي ظل تواضع الحصيلة المنجزة من مختلف هذه المشاريع والصناديق والتعهدات، وأمام نفاذ صبر شرائح واسعة من المواطنين وجدت قوتها الشرائية تتآكل بشكل كارثي، تطوعت دوائر خاصة في الحزب الحاكم معروفة بقدراتها الخارقة على أن تجعل من الحبة قبة، مسنودة ببعض الوزراء الساعين بشتى السبل للحفاظ على مناصبهم؛ بتضخيم الحصيلة لدرجة أن مسؤولا ساميا وجد الجرأة على التصريح بأن تقدم الأشغال في بعض محاور تنفيذ برنامج الرئيس تجاوز 70%.

ومع التأكيد على أن برامج  حكومية عديدة قد تم توجيهها للتخفيف من معاناة فئات هشة داخل المجتمع،

فإنه لا مناص من الاعتراف بأن الأوضاع  المعيشية   للكثير من المواطنين  ظلت تتدهور باستمرار بسبب تداعيات جائحة كوفيد19 وتكلس كتلة رواتب الغالبية العظمى من العمال، و صعوبة أوضاع العاملين في القطاع غير المصنف،

إضافة إلى عدم نجاعة سياسات محاربة البطالة ومحدودية عروض التشغيل وضعف الرقابة على الأسعار بل وتركها تحت رحمة الموردين والمنتجين والموزعين.

كما أنه لا مناص أيضا من الاعتراف بأن الإدارة قد أصبحت مرتهنة لدى مجموعات عريضة من الفاسدين يديرون القطاعات بعقلية العصابات بما يمتلكون من خبرات فذة راكموها عبر عقود من الترقي في سلم الابتذال والرداءة وخيانة الأمانة، وهي خبرات ليست شيئا آخر غير النصب والاحتيال ومراوغة القوانين والتلاعب بالمساطر الإدارية.

ولم يعد خافيا على أي كان، أن

هذه المجموعات المهيمنة على الجسد الإداري أصبحت تسير بالبلد وبخطى متسارعة نحو آفاق غامضة  وتحرمه من كل الفرص المتاحة لتنميته وأنها هي المسؤولة بشكل خاص عن تعطيل البرامج المعلن عنها وتحويل بعضها بطريقة مأساوية إلى مجرد حبر على ورق.

خيار صعب

بالرغم من أن الوقائع ومختلف التقارير والتقييمات الجادة، تؤكد حجم فظاعة التدمير الذي تعرض له اقتصاد البلاد طيلة العقود الأخيرة وأنتج مديونية كارثية، مخلفا هياكل مشاريع خربة وعاجزة عن تحقيق أبسط الأهداف المرصودة لها؛ فإن الوقت لم يحن بعد فيما يبدو لإجراء قطيعة مع السياسات الرعناء والأساليب والشخوص البغيضة التي أنتجت هذا الواقع ورعته واستفادت منه على حساب المصالح العليا للبلاد وللشعب.

لقد تعفن الوضع لدرجة لم يعد من المجدي معها اللجوء لا إلى الترقيعات الحكومية ومبادلة الأدوار بين نفس الوجوه الماكرة، ولا إلى الملاحظات الفاترة من طرف الوزير الأول حول « بطء التنفيذ » ولا حتى إلى التعبير عن الغضب الرئاسي بطرق لا ترقى إلى إثارة اهتمام موظفين هامشيين أحرى من خبروا امتصاص الصدمات وتطويع الإرادات.

وفي ظل هذا الوضع المقلق، تصبح السلطة مطالبة بوضع حد للغموض  الذي لا زال يطبع الكثير من التوجهات  المعلنة،حيث يتحتم بشكل خاص الحسم في الخيار الذي ستنتهجه السلطة بخصوص محاربة الفساد بين المضي قدما في هذا التوجه بما يتطلبه من ضرورة الإقلاع عن الممارسات المناقضة للتوجهات المعلنة والكف عن إرباك  الساحة بإعادة تجديد الثقة في الأشخاص الضالعين في التسيير الكارثي للمراحل السابقة، وبين الانكفاء على الذات لقيادة نمط هجين ومشوه تتنازعه الرغبات الشخصية والميول الذاتية لمختلف  الممسكين بمراكز القرار، مع ما يمثله ذلك من خطورة على مستقبل الدولة والسلطة الحاكمة.

كما أن

استمرار التناغم بين السلطة والمعارضة التقليدية، في ظل ضعف الأداء الحكومي الحالي وشلل الذراع السياسية للنظام والصراع المتنامي مع الرئيس السابق، يعتبر مجازفة بالغة الخطورة بالنسبة للطرفين،

ليس لأنه قد يفتح الباب أمام قوى وجماعات جاهزة لملء الفراغ، بل لما يحمله أيضا من مخاطر للطرفين، بما في ذلك تحجيم قدرتهما على التأثير في مجرى الأحداث  في المستقبل  القريب، مما يجعل احتمال خسارة مدوية في أية انتخابات  بلدية وبرلمانية سابقة لأوانها، أمرا واردا مع كل ما يمثله ذلك من تهديد لمستقبل النظام.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك