الدكتور ديدي ولد السالك في مقابلة مع مجابات:

لم نقطع بعد خطوة إلى الأمام، لذا سنظل كمن ينتظر شيئا لا أفق لتحققه، لأنه لا يمكن أن يتحقق أي شيء مما نصبو إليه  إلا من خلال رؤية واستراتيجيات جديدة

تبدو الحكومة الحالية وكأنها ما تزال تائهة في دهاليز الحكم، هل تمكنتم حتى الآن من تحديد ملامح الحكامة التي تحاول السلطة الجديدة انتهاجها؟

طبعا ما تميزت به الحكومات منذ مجيء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، عموما هو ضعف الأداء، ويعود ذلك إلى ضعف التنسيق، وغياب الرؤية، وهي العوامل التي انعكست بدورها على التنفيذ، وكأنها تعاني ارتباكا واختلالات. ويعود السبب في هذا حسب اعتقادي المتواضع، إلى أن الحكومات التي تم اختيارها ليست حكومات متجانسة، والوزراء الأول  الذين قادوها كانوا  ذوي تكوين علمي، فهم مهندسون، و في الوضع الحالي الذي تعيش فيه موريتانيا أزمات معقدة ومتداخلة ومتراكمة منذ عقود، نتيجة  الفساد والتسيب، كان من المفترض أن يقود الحكومة شخصية سياسية واقتصادية لها أفق كبير، وليس مهندسا فنيا، خاصة أن حكومات المهندسين المتعاقبة، كانت حكومات فاشلة، وبالتالي جاءت الحكومات المتتالية باهتة.

أضف إلى ذلك أن حكومة كل من المهندس ولد الشيخ سيديا، وحكومة المهندس الحالي محمد ولد بلال، تسير البلاد بنفس الإدارة، التي كانت تدير موريتانيا في عهد العشرية الماضية، وهي إدارة يطبعها الفساد، ومعروف أنها  معاقة لضعف مستوياتها، وعدم تأهيلها، ولحجم الفساد الذي تعاني منه، وعدم تحفيزها، لأن الإدارة لا يمكن أن تشتغل وتعطي أداء جيدا، إلا إذا كانت إدارة محفزة، وهذا ما لم يحصل بعد، فالواقع يقول إن الحكومة الأولى والتي بعدها تسير بإدارة ولد عبد العزيز والتي هي إدارة فساد بامتياز.

وحاليا إذا أردنا أن نحدد ملامح  الحكومة الجديدة، فإننا سنجد أنه لا توجد ملامح  تختلف عن ما كان سائدا في  العقود الماضية، سواء في عهد ولد عبد العزيز، أو في عهد ولد الطائع، لأن الحكومة الجديدة لم تغير نمط الحكم، لا من حيث الأساليب ومنهجية العمل ، ولا من حيث الموارد البشرية للتسيير الحالي، ولا من حيث الاستراتيجيات.  نحن  في أحسن الحالات إما أمام تدوير وإعادة إنتاج ما كان موجودا أو في حالة ارتباك، بينما الحالة العادية، وما كان مفروضا، هو أن يحصل تغيير في الأساليب والمناهج وتطرح استراتيجيات إصلاح بعيدة المدى، لأننا  نحتاج  لذلك، ولأن البلد عانى طويلا من الفساد والارتجال، وغياب الرؤية، ويحتاج الآن إلى رؤية علمية  للإصلاحات التي نريد،  ما هي الإدارة التي نحتاج في هذه المرحلة؟ ما هي الإصلاحات السياسية؟ ما هي الإصلاحات الدستورية؟  وما هي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية …. ؟

 وهذه الأسئلة لم تطرح بعد، وما لم تطرح الأسئلة المهمة، لا ينبغي أن ننتظر أجوبة. وبالتالي تبدو الحكومة الحالية وكأنها  تسير ما كان موجودا  بنفس الأساليب وبنفس الأشخاص وكأنها في حالة ارتباك، ولم نقطع بعد خطوة إلى الأمام، لذا سنظل كمن ينتظر شيئا لا أفق لتحققه، لأنه لا يمكن أن يتحقق أي شيء مما نصبو إليه  إلا من خلال رؤية واستراتيجيات جديدة، وموارد بشرية ومادية جديدة، وتصور جديد لإدارة موريتانيا وإخراجها من حلقة  الفساد المفرغة التي تدور فيها منذ عقود، والتي أنتجت حلقات من التخلف والبؤس.

يلاحظ المراقبون غيابا شبه كامل للصوت المعارض الجاد في بداية المأمورية الحالية، هل يتعلق الأمر بحالة صحية تعتري « الديمقراطيات الناشئة »، أم بوضع شاذ أملته ظروف خاصة مرت أو تمر بها البلاد؟

عدم حضور المعارضة في المشهد بشكل مكثف له ثلاث أسباب رئيسية في الوقت الحالي:

السبب الأول: جاء هذا الحكم والمعارضة خارجة من حرب خاضتها لمدة عشر سنوات، مع نظام ولد عبد العزيز. والحالة العادية بين المعارضة والموالاة، أن تدار العلاقة ضمن قواعد  لعبة متعارف  عليها، وما حصل منذ انقلاب 2008 الذي قاده ولد عبد العزيز ضد نظام مدني منتخب، هو صراع وشد وجذب بين المعارضة ونظام اختطف البلد، وأداره بطريقة ارتجالية  مارس فيها أنواعا من الفساد  قل نظيرها في العالم، وبالتالي فالمعارضة خارجة من حرب، والبلد لا يحتمل هذا الصراع العبثي، كما لا يتحمل أن يبقى في حرب دائمة، لأن البلد من المفروض أن يشهد استراحة، لتتفرغ نخبه للتنمية، لأنه بلد متخلف تجاوزه ركب الحضارة العالمي.  

هذا إلى جانب أن المعارضة خرجت من حرب العشرية الماضية منهكة، لما عانته من حصار مرير، بالإضافة إلى أن نظام عشرية الفساد دمر المنظومة السياسية والقانونية التي من المفروض أن تحكم قواعد اللعبة الديمقراطية في أي بلد.

أما السبب الثاني: فهو أن أهم ما ميز حكم الرئيس الحالي هو التهدئة، وهذه التهدئة أعطت هامشا من التواصل بين النظام والمعارضة، ومازالت المعارضة تسعى لأن تحول هذه التهدئة إلى حوار فعلي ينتج آليات حكم جديد وينتج مرحلة جديدة، يكون فيها نوع من التوافق على قواعد اللعبة وإدارة الشأن العام والتوافق حول الملفات الكبرى، وهذا الحوار مازال في الانتظار.

والسبب الثالث: هو أنه إذا خرجت المعارضة وضغطت على النظام الحالي  في وضع ارتباكه الحالي، فإنها ستبدو وكأنها تدعم  شخص محمد ولد عبد العزيز، وملفه ما زال أمام القضاء، ويبدو سيره بطيئا، و أي تحرك للمعارضة في جميع  الأحوال يدعمه بشكل غير مباشر، والمعارضة لا تريد أن تدعم محمد ولد عبد العزيز، لأنه يمتلك أوراقا خطيرة  قد تهدد الأمن والسلم في موريتانيا، وبالتالي تريد أن يقوم النظام الحالي بالتخلص من بقايا نظام ولد عبد العزيز وبتصفية ملفه قضائيا، وأن يستعيد الشعب الموريتاني أمواله في جو هادئ. وهذا هو الذي جعل المعارضة حاليا مهادنة وساكتة إلى إشعار آخر.

بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حصل تغير في الخريطة السياسية اختلطت فيه الموالاة بالمعارضة، إلى متى ستستمر حالة الغموض الراهنة؟ وما هي أبرز مراكز القوى التي تتوزع الساحة السياسية حاليا؟

لا أوافقكم الرأي، أنه حصل تغير في الخريطة السياسية. قد تكون حصلت خلخلة أو حراك في بعض المواقع بالنسبة لبعض الأطراف السياسية،  مثل انضمام بعض أطراف المعارضة للموالاة، والعكس، لكن ما لم تحصل انتخابات بلدية وتشريعية وجهوية مقبلة، فلن تكون هناك خارطة سياسية واضحة ولن تتشكل خارطة جديدة لأن ما تغير حاليا هو رأس النظام، وبقيت هياكله  الإدارية وعناصره البشرية، وهي التي ما تزال تدير البلد. وبالتالي فإن خريطة القوى السياسية باقية على حالها، ومراكز القوة في السلطة، إنما تدور حول الرئيس بأحزابها وأجهزة الدولة، ومع ذلك من الواضح أن بعض قادة المؤسسة العسكرية لهم نفوذ وحضور في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في حين أن دور أحزاب المعارضة في تراجع كبير في الوقت الحالي، نتيجة العوامل التي سبقت الإشارة إليها.

لكن يوجد متغير جديد في الساحة السياسية الوطنية، فقد فرضت وسائل التواصل الاجتماعي حراكا سياسيا واجتماعيا وثقافيا، سيكون له تأثير كبير مع الوقت، فستصنع وسائل التواصل الاجتماعي رأيا عاما مؤثرا، وهو ما بدأت تتبلور ملامحه مع الحركات الشبابية، التي سيكون لها في قادم الأيام دور متزايد في ساحة الفعل السياسي.

دار الحديث مؤخرا حول إمكانية فتح حوار أو تشاور وطني للتوصل إلى اتفاق بشأن رزمة إصلاحات لإعطاء دفع لمسار الدمقرطة، برأيكم ما هي أهم الإصلاحات التي يحتاج إليها نظامنا الديمقراطي بشكل عام ومنظومتنا الانتخابية بشكل أخص؟

هل الحوار في الأفق؟ طبعا تم الاتفاق على مبدأ الحوار، كما تم الاتفاق بين أحزاب المعارضة، وأحزاب الموالاة على جملة من المحاور التي ينبغي أن يتم حولها الحوار، ما يعني أن مبدأ الحوار تم الاتفاق عليه، وينتظرون فقط، أن يدعو الرئيس إلى هذا الحوار. إذن ما ينقص هو الإعلان عنه.

أما الإصلاحات التي تحتاجها موريتانيا، فهي في بعدين: فموريتانيا تحتاج إصلاحات سياسية عميقة، تتعلق بإصلاح المنظومة الحزبية، والمنظومة الانتخابية، والمنظومة المتعلقة بالمجتمع المدني، وهناك أيضا الحاجة لإصلاحات دستورية، لأن دستور 1991 جاء غير متوازن، وخلق عندنا نظاما يسمى اصطلاحا في الدراسات الدستورية بالنظام الرئاسوي، ومعناه بالنسبة لغير المختصين، أن السلطة التنفيذية تحتوي على مختلف السلطات الأخرى، التشريعية والقضائية، وأن رأس السلطة في هذا النظام هو كل شيء.

هذا النظام،  تم الاصطلاح عليه من خلال ممارسات الأنظمة المستبدة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، و جاءت به الديمقراطيات الشكلية، التي ولدت بفعل الضغوط الخارجية. وكان نظام ولد الطائع أحد مخرجات تلك الأنظمة في موريتانيا، الذي فصل دستور 1991 على شخصه، وبالتالي صار عندنا نظام رئاسوي. السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، وتهيمن على مختلف السلط الأخرى في الدولة، ليس فقط مسيطرا على السلط الأخرى، وإنما هو نظام مهيمن على كل شيء، وذلك ما يجعل موريتانيا بحاجة لإصلاحات دستورية كبيرة، تعيد التوازن بين السلطات ويكون في ذلك فصل حقيقي بين السلطات، لأنه لا يمكن تصور بناء دولة مؤسسات ودولة مواطنة بدون فصل حقيقي بين السلطات وتداول سلمي على السلطة.

أما البعد الثاني، فيتعلق بضرورة إعطاء سلطات حقيقية للوزير الأول، لأنه أصبح عمليا بمثابة سكرتير ينسق عمل الحكومة وليس له دور، عكس ما عليه الحال في أنظمة بعض الدول الأخرى، التي تمنح الوزير الأول أدوارا هامة في الإدارة والتسيير. هذه  هي أهم الإصلاحات الدستورية التي نحتاجها، والتي تخلق توازنا بين السلط لا يمكن للديمقراطية أن تتقدم بدونه.

أما الوجه الآخر للإصلاحات، فهو أن الديمقراطية لا تحتاج إلى إجماع، وإنما إلى توافقات. وهذه التوافقات ما لم تحصل في أي بلد على جملة من الثوابت لا يمكن للديمقراطية أن تتقدم، وهي على سبيل المثال لا الحصر: أن نتفق على النظام الجمهوري، وعلى النظام الديمقراطي، وأن نتفق على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية فعلا لا قولا، وأن نتفق على المشتركات فيما بيننا، وأن تصبح هذه الثوابت غير خاضعة لأي جدال، ومحل توافق بيننا. وهذا ما سيسمح للنخب بأن تتفرغ للعمل  المدني والسياسي والاجتماعي من أجل تنمية البلد، وتتخلى تلك النخب عن حالة الصراع الدائمة فيما بينها، وأن تكون هذه التوافقات محصنة في الدستور الذي هو عقد اجتماعي، يشكل مرجعية لمختلف السلط في البلد ولجميع المواطنين فيه، ولكافة ممارسات الحكم في الدولة.

هذا إضافة إلى أن هناك قضايا كبرى نحتاج لمناقشتها، كملف الرق، وملف الحكامة، وكيف نستفيد من ثرواتنا؟ ولماذا تخلفنا إلى هذه الدرجة؟ وما هو النموذج التنموي الذي نحتاجه في موريتانيا؟ وما هي السياسات الاجتماعية؟ وما هي السياسات الاقتصادية؟ لأن نقاش هذا النوع من القضايا الكبرى، سيساهم في خلق تصور جماعي حوله، مما قد يساهم في النهوض بأوضاع موريتانيا التي أصبحت في حالة انهيار شاملة للأركان الأساسية التي تقوم عليها الدولة: التعليم، الصحة، العدالة، الأمن. وما لم يحصل توافق حول هذه القضايا، باعتبارها قضايا وطنية وليست قضايا سلطة حاكمة،  لا يمكن  القيام بالإصلاحات المطلوبة.

كما أن ذلك قد يسهل إعادة الدولة لدورها الطبيعي، لأن الدولة في العالم لها وظيفتان: توفير الأمن وتوزيع المنافع. وموريتانيا في وضعها الحالي، لم تعد قادرة على القيام بدورها، فهي مختطفة منذ عقود من طرف أنظمة استبدادية، تدير الدولة بشكل ارتجالي، وتحيط بها في كل مرحلة مافيا من الانتفاعيين المفسدين. وما تحتاجه الآن هو آليات للحكم جديدة تزيح هذه الطبقة الفاسدة وتعيد الاعتبار لمعايير الكفاءة والجدية والجدارة.

وبالتالي فموريتانيا في وضعها الحالي، تحتاج إلى حوارات موسعة وليس حوارا واحدا حول هذه الأوضاع، ومدخل كل ذلك هو حوار وطني موسع حول مختلف هذه القضايا.

يستمر ملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أو على الأصح ملف العشرية في احتلال واجهة الأحداث، كيف تقدرون التكلفة السياسية التي تدفعها السلطة مقابل استمرار فتحها لهذا الملف؟  وما هي السيناريوهات المحتملة لتطوره؟

لقد كان من المفترض معالجة هذا الملف بسرعة لسببين:

السبب الأول: أوضاع البلد تحتاج تلك السرعة، والنخب والسلطة تحتاج التفرغ لما بعد فترة ولد عبد العزيز بسيئاتها. والسبب الثاني، لأنه في هذا الملف هناك أموال هائلة للشعب الموريتاني تم نهبها، والشعب بحاجة ماسة لإعادة تلك الأموال، كما أن الدولة  الموريتانية محتاجة لها لمساعدتها في تحسين  الأوضاع الاجتماعية، مثل مكافحة الفقر والمديونية والأزمات التي يتخبط فيها البلد عموما.

إن تصفية ملف فساد ولد عبد العزيز بشكل عادل وشفاف، تعطي درسا في مكافحة الفساد تحتاجه موريتانيا، لكن من الواضح أن هذا الملف للأسف العميق يدار ببطء شديد، لأسباب غير واضحة، من طرف السلطة.

والحاصل أنه بعد إحالة هذا الملف للعدالة، أصبح ولد عبد العزيز يكسب نقاطا سياسية على حساب النظام وعلى حساب الملف،  لأنه حاول جاهدا أن يحول الملف من ملف قضائي وقانوني إلى ملف سياسي، وإذا تركته السلطة يمارس لعبته من خلال الانضمام لبعض الأحزاب وتنظيم المؤتمرات الصحفية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال مسيراته اليومية للتوقيع؛ أعتقد أنه سيكسب نقاطا ضد النظام لصالحه ويميع الملف الذي سيتحول مع الوقت إلى ملف سياسي. وهذا لا يخدم السلطة القائمة ولا العدالة ولا الشعب الموريتاني، وبالتالي ينبغي أن يحسم هذا الملف قضائيا بشكل شفاف يخدم العدالة ويخدم الشفافية من أجل مستقبل موريتانيا.

عاشت موريتانيا لحظتين هامتين في تاريخ مسارها الديمقراطي، حين انتقلت السلطة سنة 2007 من رئيس منقلب إلى رئيس منتخب وحين انتقلت مؤخراً من رئيس منتخب إلى رئيس منتخب، هل يمكن أن يعني ذلك بأن ديمقراطيتها خرجت من تحت الوصاية وأننا أصبحنا في مأمن من العودة إلى نقطة البداية؟

هذا سؤال هام وذكي، كما تعلمون الديمقراطية التي عرفتها موريتانيا مع دستور 20 يوليو 1991 كانت مفروضة من الخارج، وهي بذلك ليست نابعة من الداخل. والتحول الديمقراطي ينجح في بلد عندما يكون هنالك ضغط  داخلي، وهناك نخبة  تؤمن بقيم الديمقراطية وتناضل من أجلها، وهذا ما لم يحصل، حيث كانت هناك تيارات تطالب بالديمقراطية، ولكنها ضعيفة وهامشية. وعليه فإن ما حصل حينها كان استجابة لعوامل خارجية وليس استجابة لعوامل داخلية، وهو ما جعل الديمقراطية  تتحول نتيجة حرص معاوية ولد الطايع على البقاء في السلطة إلى ديمقراطية شكلية تجميلية: من الخارج نجد مظاهر ديمقراطية، مثل الدستور والأحزاب ولكن في الجوهر هناك نظام عسكري استبدادي فاسد، وهذا النظام العسكري  لم يتغير مع مرور الزمن، مما جعل مسار الانتقال الديمقراطي يتعثر.

والسبب في ذلك يعود إلى عدة أسباب، فضباط المؤسسة العسكرية باقون ومستمرون في السلطة، والسبب الثاني يتمثل في غياب تقاليد وقيم ثقافة الممارسة الديمقراطية في المجتمع، بالإضافة إلى ضعف مؤسسات  الدولة إذ أنه خلال الستين سنة الماضية،  لم تستطع الأنظمة المتعاقبة بناء مؤسسات دولة، تكون لديها قوة واستمرارية  خارج الأشخاص  الذين يقودون  تلك المؤسسات.

والعامل الآخر، وهو الأخطر، يتمثل في اختراق الفساد للنخبة السياسية،  أفقيا وعموديا، وما بقي خارج حلبة هذا الفساد هو أقلية. وعندما يخترق الفساد نخبة أي بلد فإنه يتحول إلى فساد بنيوي اقتصادي اجتماعي سياسي وثقافي، ويتحول من فساد سياسي إلى فساد مؤسسي، وفساد إداري ومالي. وما تعيشه موريتانيا من ترد على كافة المستويات في الوقت الحالي، هو انعكاس لهذا الفساد المستشري في جسمها. وما لم تحصل ثورة أو تغيير ما، أو يحصل مع الوقت تراكم في الوعي يساهم في خلق كتلة تاريخية قادرة على التغيير، عبر تشكل  قوة شبابية متمردة على الواقع ورافضة لكل مخرجاته، أو يطرأ عامل خارجي  مفاجئ من مصلحته أن يحصل استقرار في موريتانيا، يساعد في بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، ستبقى موريتانيا في هذا الشكل من الديمقراطية الشكلية  التي تعوزها المشروعية،  وإن كانت في كل مرة تحصل على الشرعية الخارجية من خلال تنظيم انتخابات شكلية، جوهرها متحكم فيه، ولا يقود لانتقال ديمقراطي، وجوهر السلطة استبدادي ومتحكم فيه، لأن الفساد وضعف مؤسسات الدولة، يحولان دون أي تطور في المنظور القريب.

بالرغم من سلاسة عملية انتقال السلطة خلال الرئاسيات الأخيرة، ما يزال بعض المراقبين يعتقدون بأن صناديق الاقتراع ليست صاحبة الكلمة الفصل في تحديد من يحكم البلاد، برأيكم أين تكمن حقيقة السلطة؟ في الثكنات أم في مكاتب البيروقراطية؟

حقيقة السلطة في موريتانيا في يد الأطراف التالية: الرئيس، الضباط النافذون من المؤسسة العسكرية من ناحية، وكشكول من الانتفاعيين والمتسلقين يتحلقون حول  كل رئيس جديد وصل إلى السلطة، مهما كانت الطريقة التي وصل بها. يتمظهر ذلك الكشكول  تارة في شكل أحزاب سياسية وتارة في شكل نقابات وتارة في شكل جمعيات مدنية وتارة في شكل رجال أعمال. كل هذه الحلقات تتجمع حول أي رئيس جاء للقصر وتشكل واجهته السياسية، وهؤلاء من يديرون البلد منذ بداية ما عرف بالمسلسل الديمقراطي 1991 إلى اليوم. وبالتالي فإن التحالف الذي يشكل قاعدة صلبة لأي سلطة في موريتانيا، أطرافه ثلاثة: الضباط النافذون، واجهة سياسية في شكل كشكول متنوع يتحكم في الإدارة، مجموعة من رجال الأعمال. هذه الكتلة الثلاثية تلتف حول كل رئيس جاء للسلطة، ومن خصائصها أنها أصبحت عابرة للأنظمة في موريتانيا.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك