في الرواية، محمد عبد اللطيف

في الرواية، محمد عبد اللطيف

لا شيء أسهل من كتابة رواية! رغم ما يضفيه أهل الفن ومِن ورائهم عملاؤهم من النقاد من صعوبة وتهويل على ملابسات كتابة قصّة أو رواية ما!

دعوني أوضّح موقفي، ما هي الرواية حقيقة؟

الرواية خلف كلّ التعقيدات لا تعدو كونها حكاية طويلة تكاد لا تنتهي، وبعد كل تفصيل فني حافل بالمصطلحات يبقى هذا الاستنتاج ما يخرج به أي قارئ.. إضافة إلى رهاب تمّ زرعه في خياله من تسوّر حديقة المثقفين هذه.

والروائي بعد كلّ شيء أيضا، كالصحافي، كائن غير متخصّص، قفز من قارب الشعر الغارق أو من وظيفة حكومية أو نزل أمام بوابة الرواية من سيارة تاكسي في يوم ما دون مقدّمات.

سنة 1980 فاجأ الصحافي الإيطالي إمبرتو إيكو العالم برواية لم تدر في بال أي ناقد إيطالي في ذلك الوقت أنها تتكون بالجوار حينما كان البلد وقت شيوع الرواية بعد ذلك بعامين غارقا في دهشة إحراز كأس العالم بفريق تندر فيه الموهبة.

وفي العام 1998 كان مدرّس اللغة الإنجليزية المغمور دان براون في سنته الرابعة والثلاثين حين أخرج هدية سارة هي روايته الحصن الرقمي، كان العالم أيضا غارقا في دهشة الإنترنت وظن كثيرون حين رأوا هذه الرواية على رفوف المكتبات أنها ليست إلا أحد كتب لغات البرمجة التي أصبحت ملهاة المراهقين، وكان من بين من ظن ذلك –لا ريب- كرادلة روما الذين تفرّغ دان براون بعد سنوات لإزعاجهم بفكّ شفرات دافنشي ونفض الغبار عن نسل السيد المسيح، تماما كما نفض غبار القاطرات الإنجليزية عن الرواية البوليسية بعد أجاثا كريستي ومدّها بألق كبير.

فعل ذلك أيضا روائيون كثر حول العالم، انبثقوا من مهنة مجاورة، أو من الفراغ، كما ينهض نَشْء النبات بعد المطر، أو كما يظهر النمل بسحرية حول قطعة سكّر مهملة.

لنكن نزيهين مع أي منافس محتمل، يمكنك أن تكتب رواية ويمكنك أيضا أن تزعج كرادلة روما، لكن عليك بعد فعل ذلك أن تتظاهر بأن طريقك كان شاقا.

رغم هذا لا يخلو الأمر من سمات عليك أن تتمسّك بها؛ أصغ لما أقول، فأنا أيضا خضت طريقا شاقًّا، جلست أمام الكمبيوتر ذات يوم وكتبت ما جاد علي به خيالي، لقد كان ذلك من المشقة بمكان حيث إنني الآن أعاني من ألم عندما لا يقرّ أحد بصعوبة ما فعلت!

من الجيد -إذا حاولت، ومن الجيد أن تفعل- أن تهتم بأقدم الأشياء، فالأشياء القديمة أصبحت تباع بثمن جيّد، لكنني هنا لا أعني مقتنيات العائلة، بل الحوار.

مازال الأمر بتلك البساطة، وُلدت الرواية وهذه الزائدة الدودية معلّقة بها، واعتقد كثيرون لعقود أن الحوار ليس إلا متعلّقا مثل أثداء الرجال يصعب التخلّص منه ويصعب فهمه، وظلّ في مراتب ثانوية في الروايات الكلاسيكية خلف الوصف، وخلف مشاعر الذات في روايات الحداثة، وخلف اللغة والنص في روايات ما بعد الحداثة.

الأمر بسيط، الآن؛ في هذه اللحظة، الحوار هو أهم ما في الرواية، وهو أقدم ما كان فيها أيضا للغرابة، العالم كله يوحي بذلك، مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حرّة للحوار، والفضائيات تعجّ بالبرامج الحوارية، والأمم المتحدة تدعو للحوار!

إنه توجّه عالمي، لكنه في الرواية أحد المعالم الفارقة لرواية الألفية الجديدة، اكتب حوارا محكمًا جيّدًا في روايتك، وستجد أن العالم يثني عليك، اهتمّ بالحوار في توضيح تقلّبات الشخصيات، فالشخصية النامية يحدث لها ذلك عادة بفعل الحوار في الرواية وليس بفعل الأكل أو التمثيل الضوئي.

هذا مَعْلَم واحد، وهناك معالم أخرى، لكن هذا لا يعني أنك لم تعد قادرا على كتابة رواية!

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك