تعميم وزير العدل محمد الأمين حمني بتاريخ 3/ديسمبر 1969 حول نهاية الرق

تعميم وزير العدل محمد الأمين حمني

بتاريخ 3 كانون الأول/ديسمبر 1969

نص التعميم:

(لا يكاد يمر يوم إلا و أطّلع فيه على ممارسات استرقاقيه منافية للدستور ولقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية:

يتعلق الأمر تارة بسيد يستحوذ على ممتلكات خادمه بحجة أن الأخير هو نفسه مملوك ولذلك لا يجوز أن تكون له ممتلكات خاصة.

وتارة بخادم يرغب في الزواج ويمنعه أسياده بحجة أنهم لم يوافقوا على ذلك مسبقا

وتارة أخرى بسيد يريد استرجاع سلطته على أرقائه الفارين تحت غطاء مطالبة بدين مزعوم بغية إرغامهم على العودة إلى خدمته

وأحيانا يتعلق الأمر باتفاقات بين شخصين أو أشخاص يتم بموجبها تحويل الملكية التامة أو الجزئية لخادم أو خادمة أو أبناء هؤلاء لمصلحة أحد أطراف الاتفاقية

وعلى غرار حالات اختطاف الأطفال وبيع الخدم والنخاسة التي أصبحت لحسن الحظ نادرة في السنوات الأخيرة فإن الممارسات المشار إليها أعلاه مرفوضة وعليه إن واجبكم كحماة للنظام يلزمكم التدخل لمنعها ولمعاقبة مرتكبيها.

وفي هذا السياق أذكركم بالنصوص الأساسية التي تضمن حاليا الحرية والمساواة بين كل الكائنات البشرية على تراب الجمهورية:

1-دستور 20 أيار/مايو 1961م الذي يعتمد في ديباجته الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1789م والإعلان الدولي الصادر بتاريخ 10 كانون أول/ديسمبر 1948م والذي ينص في مادته الأولى (السطر الثاني) على أن « الجمهورية تضمن لكافة مواطنيها دون تمييز عرقي أو ديني أو اجتماعي المساواة أمام القانون ». إن هذا الترتيب الذي يلغي نهائيا كل تمييز عرقي, ديني أو اجتماعي ملزم ليس فحسب في تطبيق القانون العصري ولكنه أيضا ملزم في تطبيق القانون الإسلامي الذي يشكل جزء من القانون الموريتاني لا يمكن فصله عن الأجزاء الأخرى .

2-مسطرة الشغل ( القانون رقم 63023 الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني / يناير 1963 ) الذي يحرم إطلاقا العمل الإجباري وكل الممارسات المنافية لحرية العمل ، وذلك من خلال الترتيبات التالية :

المادة 3 من الكتاب الأول : العمل الإجباري أو الإكراهي ممنوع.

 ينطبق مفهوم العمل الإجباري أو الإكراهي على كل عمل، أو خدمة، يتم فرضهما على شخص تحت التهديد بعقوبة ما، والذي يقوم به الشخص المذكور دون إرادته الشخصية.

 المادة 56 من الكتاب : يعاقب بغرامة تتراوح من 20.000 و 100.000فرنك وسجن يتراوح بين يومين إلى ثلاثة أشهر، أو بإحدى هاتين العقوبتين :

أ- مرتکب جناية مخالفة ترتيبات المادة 3 المتعلقة بالعمل الإجباري .

ب- أي شخص مارس عنفا، أو تهديدا، أو غشا ، أو وعدا ، بغية إرغام ، أو محاولة إرغام عامل على العمل دون إرادته . وكذلك أي شخص حاول منع عامل من العمل أو القيام بالواجب المهني الذي يمليه عليه التزامه العقدوي.

 ت- في حالة معاودة ارتكاب الجناية تتراوح الغرامة من40.000 إلى 200.000 فرنك ، والسجن من 15 يوما إلى 6 أشهر .

3- المسطرة الجنائية تعاقب على أساس تعليلات, تارة تأديبية وتارة تجريميه ، أي مس بحرية الآخر ، وكذلك أي فعل تعسفي ، أو تهديد . كما أن المسطرة تنص على جنايات وعقوبات في هذا الشأن

– التوقيف والاعتقال أو الاحتجاز التعسفي : تتراوح العقوبة من السجن سنتين إلى الأعمال الشاقة المؤبدة حسب الظروف ، وبالتحديد حسب مدة الاعتقال أو الاحتجاز التعسفي .

وإذا كانت الجريمة المذكورة مصحوبة بتعذيب جسدي ، فإن العقوبة تكون الاعدام (انظر المادتين 341 و 344)

-عقد استدعاء بغية مصادرة الحرية، يعاقب الجناة بالأعمال الشاقة المؤقتة أي من 5 إلى 20 سنة (المادة 341 سطر 3)

-رهن شخص: تكون العقوبة السجن لمدة تتراوح من شهر إلى سنتين وغرامة من 1000 فرنك (المادة 341 سطر 4)

 -اختطاف قاصر ( ينطبق هذا التجريم على حالات إبعاد صبي عن أسرته دون إذن أبويه ) ، تتراوح العقوبة في هذه الحالة بين سنتين من السجن إلى الأعمال الشاقة المؤقتة ( 5 إلى 20 سنة ) ويواجه الجناة عقوبة الإعدام إذا أدى الاختطاف إلى موت الصبي ( المادتين 354 و 356 ).

وبعض الموريتانيين يدعي بأن هذا التشريع مخالف لتعليمات القرآن الكريم الذي يبرر -كما يظنون- ممارسة الرق.

لهؤلاء المخالفين ينبغي أن تقولوا إن تأويلهم للكتاب المقدس خطأ.

لقد أبيح الرق لتسهيل استسلام الكفار، واعتناقهم للدين الإسلامي وعليه كان ينبغي أن ينتهي الاسترقاق فور تحقيق تلك الغايات.

هل من المعقول أن يستمر الاسترقاق في مجتمع تمت أسلمته ؟ وفضلا عن ذلك ، كل الدول الإسلامية ، بما فيها المملكة العربية السعودية التي قبلته لمدة طويلة ، تحرم حاليا العبودية.

أدعوكم إلى بذل كل الجهود للقضاء على التجاوزات التي لا تزال إلى يومنا هذا كثيرة ولكنكم مطالبون باستخدام الحنكة والإقناع، بقدر ما أنتم مطالبون بممارسة سلطتكم، لأن المشكلات الاجتماعية لا تحل في يوم واحد بإرادة فردية، وبالدعوة إلى الصلح مع احترام مصالح كل واحد ينبغي أن تسهموا في تصور تأسیس تدريجي لعلاقات اجتماعية جديدة, إنه من غير الممكن إنهاء العلاقات بين الأسياد والخدم بصورة تلقائية، ولكن بدل أن تتأسس تلك العلاقات على انعدام الثقة يجب أن تتأسس من الآن فصاعدا على التراضي والمنفعة المتبادلة بين المعنيين وأن تتطور تلك العلاقات إلى شكل من العمل المأجور, وبالفعل لا ينبغي أن تشجعوا الخدم على مغادرة أسيادهم القدماء، والتخلي عن الزراعة والرعي ، لكي يزيدوا عدد المتعطلين في المجموعات الحضرية وإنما ينبغي أن تشجعوا كل أشكال الشراكة الجديدة بين الأسياد والخدم, وتسهيل اتفاقات عادلة بين ملاك الأراضي الزراعية والمستغلين بخصوص توزيع الحصاد واتفاقات بين ملاك الحيوان والرعاة تقضي بتقسیم عادل في حالة تزايد القطيع.

إن حصول ثورة صادمة في العلاقات الاجتماعية قد يؤدي إلى انهيار اقتصادنا التقليدي بأكمله وفي المقابل سيمكن التطور التدريجي بواسطة ترقية عمل الفئات الأكثر إنتاجية من إقامة المساواة بين مواطنينا ، ومن السير نحو التنمية الاقتصادية . وعلى المستوى العملي ، يجب أن تتدخلوا كلما كانت الحقوق الفردية مهددة لتحيلوا إلى العدالة الجنائية كل مس بالحرية ، وكل فعل تعسفي, كما يجب أن لا تدعوا أي مناسبة لتحسيس الأسياد القدماء على ضرورة التخلي عن الممارسات المنافية للحرية والمساواة.

 وهنالك معضلة بالغة الصعوبة تتعلق بتصرفات القضاة ورؤساء المحاكم في الحالة التي يصدرون فيها أحكاما منافية للمبادئ المذكورة أعلاه . فبدل التدخل مباشرة ، الأمر الذي يمنعكم منه القانون ، والذي قد يقودكم أحيانا إلى ارتكاب أخطاء في غياب المعلومات الكافية ، يجب أن تكتفوا بتذكير الأطراف المتضررة بأن لها الحق في أن تستأنف الحكم الصادر في المحكمة الابتدائية ، وحق الطعن في الأحكام النهائية.

 ويمكن استئناف أحكام القضاة خلال شهر، واستئناف أحكام المحاكم الابتدائية خلال شهرين ، أما الأجل المحدد للطعن ، فهو ثلاثة أشهر (المواد 210 ، 209 و 235 من مسطرة المرافعات المدنية ) .

ومعلوم أن استئناف الأحكام والطعن يشكلان الوسيلتين الشرعيتين الوحيدتين التيمن شأنهما أن تلزم المحاكم السفلى باحترام القانون.

 وحتى في حالة انتهاء الآجال العادية للاستئناف والطعن ، فإن تدخل المحكمة العليا يبقى ممكنا لإلغاء الأحكام الخارقة للقانون . فطبقا للمادة 268 من مسطرة المرافعات المدنية، يمكن للمدعي العام أن يرافع ضد تلك الأحكام لمصلحة القانون.

 يجب عليكم إبلاغي في حالة اطلاعكم على تلك الأحكام . مثلا إذا طلب منكم أن تنفذوها ، وأن تحيلوا إلي نسخة من الحكم المرفوض.

 ويجب أن تمتثلوا بدقة لتعليمات هذا القرار وأن توافوني بإفادة تسلمكم له . لقد لفت انتباهي إلى بعض الخلافات الناتجة بسبب استعمال اليد العاملة الخادمة . وبهذه المناسبة ، أعتقد أنه من الواجب تذکیرکم أن النفاذ إلى الاستقلال في الدول الحديثة كان دائما يكرس الإلغاء الكامل للاسترقاق، وجميع الممارسات المشابهة له . وإن الأفكار الرجعية المصطنعة يمكن أن تجابه بسهولة ، لأن الرق كان في الأصل مرخصا به في القرآن العظيم لتسهيل إخضاع الكفار ، وبالتالي اعتناقهم لدين الإسلام إذن هذا السلاح يعتبر وسيلة لا غاية. بناء على ذلك فالاسترقاق لم يعد له مبرر في مجتمع إسلامي 100 % وممارسته منافية للنظام الاجتماعي الذي حدده الدستور ، وقوانين الجمهورية المتخذة في إطار ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية.

ذلك أن دستور العشرين أيار / مايو 1961 ، بعد أن أحال في ديباجته إلى الإعلان الفرنسي الصادر سنة 1789 حول حقوق الإنسان ، وإلى الإعلان العالمي بتاريخ 10 كانون الأول / ديسمبر 1948 ، يؤكد في مادته الأولى الفقرة 2 :

” تضمن الجمهورية الإسلامية الموريتانية لجميع المواطنين دون تمييز في العرق ، أو الدين ، أو المكانة الاجتماعية ، المساواة أمام القانون »

هذه الترتيبات الدستورية ألغت بصورة واضحة لا غموض فيها كل تمييز عرقي ، أو دینې أو اجتماعي ، وتفرض نفسها على مستوى تطبيق القانون المعاصر ، وكذلك تطبيق القانون الإسلامي ، والقانون العرفي ، وهما في النهاية جزء لا يتجزأ من القانون الوطني الموريتاني.

 وبخصوص الميدان الاجتماعي فإن قانون 1963 ، المتضمن لمدونة الشغل في الجمهورية الإسلامية الموريتانية يحرم بتاتا العمل القهري ، أو الإلزامي ، مكيفا لهذه الممارسة بنفس التكييف الذي تعطيه الاتفاقات الدولية بتاريخ 1926 و 1956 كما يلي : كل عمل أو خدمة تقتضي من فرد تحت التهديد، بأي عقوبة كانت، والتي لم يقبلها هذا الفرد طواعية “.

وكذلك القانون الجنائي الجاري به العمل في الجمهورية الإسلامية الموريتانية، يعاقب تارة كجنحة وتارة كجناية، كل مساس بحرية الآخر وكذلك كل عنف أو تهدید.

 وبصورة خاصة، فإن جميعا العقود التي تهدف إلى نزع حرية شخص فالقانون الجنائي يعاقب عليها .

 وقد علمت أن بعض الأشخاص كثيرا ما يقدمون إلى السلطات قضية الخدم في أشكال متنوعة ومفتعلة وأكثر الحالات من ذلك ما يلي :

– في بعض الأحيان يتعلق الأمر ب »سید » يستولي على ممتلكات خادمه تحت سبب مفتعل هو أن هذا الأخير بما أنه هو نفسه مملوك فإنه لا يقدر أن يحوز شيئا إلا وهو ملك لسيده.

– وفي بعض الأحيان يحاول السيد “ منع خدمه من الزواج إذا لم يطلب إذنه قبل ذلك .

-وفي بعض الأحيان يتعلق الأمر ب ” سید “ يحاول يائسا أن يعيد سلطته على خدمه المزعومين الفارين ، ويثير تجاههم ديونا مزعومة ، أو يتهمهم أمام المحاكم الجزائية بالاختلاس أو بالسرقة.

– وأخيرا في بعض الأحيان يتعلق الأمر بتوافق أبرم فعلا ، وسببه أو موضوعه إعطاء شخص أو أكثر ملكية جزئية أو كلية للعبد المزعوم ، أو للأمة المزعومة ، أو أبنائهما .

كل هذه الممارسات قد عفا عليها الزمن ، وتضر بسمعة وشهرة بلادنا ، ولا تتطابق مع قانونا الداخلي ، ولا مع القانون الدولي, لذلك أطلب منكم أن تضعوا حدا لها وأن تمتنعوا من الآن فصاعدا عن كل ما يمكنها أن تعود بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك