ملاحظات على مهرجان « التراث »

بعد موجة إعلامية من الوزارة الوصية تنتقد فيها النسخ السابقة لمهرجانات المدن القديمة، ارتفع سقف التوقعات لدى المتابعين وتاقت أذواقهم إلى محتوى ثقافي يليق بالحملة الإعلامية أو -على الأقل- قالب تنظيمي يبتعد عن الارتجال والفوضوية التي طالما ألمحت وصرحت الوزارة الوصية بوجودها في النسخ العشر السابقة.
لكن جماهير الثقافة تفاجأت بارتباك جلي في تنظيم حفل الافتتاح سببه الارتجال وعدم الاحترافية من اللجنة المنظمة، ولكن مفاجأة هذه الجماهير ما لبثت أن زادت حدتها لتصل إلى صدمة كبيرة بعد الاطلاع على محتوى الحفل « الهش » ومحتوى السهرات الأخرى التي تلت حفل الافتتاح.
إحراج في الشكل والمضمون
أكد الحفل أصالة فكر الارتجال في ثقافة البدو فهم يرتجلون في شعرهم وفي غنائهم وفي أعراسهم وفي حلهم وترحالهم، وأنهم مهما انتقدوا الارتجال السابق فهم فارون منه إليه.
حضر فخامة رئيس الجمهورية ولفيف من أصحاب المعالي والسعادة والسلك الدبلوماسي ليشهدوا الحفل الغريب قرآن كريم وشعر ونقدٌ ورقص وغناء.
وكأن القوم لم يشاهدوا أي حفل من هذا النوع في العالم ولم يستفيدوا من المكتسبات العلمية والتجريبية التي جعلت من « تنظيم المهرجانات والفعاليات الثقافية » تخصصا مستقلا بذاته.
هذا الارتجال وهذه الغرائبية عندنا في الشكل والمضمون سوف نتطرق إليها في شكل نقاط
1- في سابقة من نوعها يتولى إنعاش حفل رجلان خمسينيان، فعادة ما توكل هذه المهمة الى إعلاميين شباب ينظر إلى فصاحتهم وشكلهم فقط.
2- عدم توحيد لغة الانعاش سابقة من نوعها أيضا، فتوفير ترجمة فورية كان مناسباً من خلال بث موازي في سماعات توزع على من أراد، وهو أمر غير مكلف ودارج في هذا النوع من الفعاليات.
3- في سابقة من نوعها يتولى الانعاش مستشار وزير ومكلف بمهمة، ويعود إلى هاتفه الجوال وتحديدا برنامج واتس آب لقراءة بعض فقرات الحفل، الأمر الذي يوحي بعدم اهتمام أوتحضير أو تمرين وترك الارتجال سيد الموقف كالعادة.
4- ولأول مرة من نوعها أيضا نجد التعليقات النقدية والتقييمات الانطباعية أمام رئيس الجمهورية والوزراء والسلك الدبلوماسي من صاحب الربط على مداخلات المشاركين في الحفل ( ثقافة البداع حاضرة).
5- البلاي باك: وهو لمن لا يعرفه تسجيل أغنية بمؤثرات صوتية عبر برامج إلكترونية في الاستديو ومن ثم عرضها عبر تشغيلها في مكبرات الصوت وإيهام الحضور على أن الغناء مباشر. وهو أمر يتنافى مع رسالة الفن والتراث وغير مسموح به مطلقا في أي حفل رسمي (هذا طبعا هناك في العالم)
6- النقص الحاد في المعدات اللوجستية من شاشات ومكبرات صوت ومطاعم ودورات مياه عمومية والأمر عائد كما أشرنا إلى تقصير واضح من اللجنة المنظمة وعدم مبالاة من الوزارة بإسناد التنظيم إلى مختصين (ولو كانوا من بلد آخر) فنحن في زمن الاحتراف.
7- تكرار نفس الأخطاء في النسخ السابقة وعدم الاستفادة منها، والاكتفاء بتغير أسماء مسؤولين وعناوين مهرجانات دون أي انعكاس في الشكل أو المضمون.

8- وأخيرا -وربما تكون الأدهى- عودة الخطاب إلى تمجيد شخص رئيس الجمهورية وذلك من خلال دعوة المهرجان والقائمين عليه إلى شرح مضامين خطاب رئيس الجمهورية « التاريخي » في عملية ابتذال للشعر والفن والتراث، أصابت الطموحات في مقتل وقضت على كل أمل بالتحسين.

بقلم: سلمى محمد أحمد

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك