التشغيل و التضليل ….عندما تتكشف حقيقة الأرقام

أعل الشيخ ولد الصابر
قسم التحقيقات – مجابات

البداية

في صبيحة 3 من يونيو 2019 بقصر المؤتمرات اعلن الرئيس الغزواني عن برنامجه الانتخابي (تعهداتي) الذي مثل المرجعية السياسية والاقتصادية لحملته الانتخابية، وفيما بعد لنظام حكمه ، و الإطار النظري لسياسات حكوماته المتعاقبة، واعتبره المؤيدون له بمثابة عقد اجتماعي جديد، والتزاما من طرف الرئيس الذي انتخبوه.

وتضمن الفصل الأخير من هذا البرنامج مجموعة من التعهدات لصالح الشباب على وجه الخصوص، تضمنت التعهد بخلق 100 الف فرصة عمل خلال 5 سنوات. هذا الوعد الذي سيعتبر فيما بعد بمثابة الهدف الاستراتيجي الاسمي للحكومة، وقد انيطت مهمة تحقيقه بوزارة الشباب والرياضة بحكومة ولد الشيخ سيديا، ثم وزارة التشغيل والتكوين المهني بعد الهيكلة الجديدة للوزارة مع تشكيل حكومة الوزير الاول محمد ولد بلال..

وخلال هاتين الفترتين تم اختيار الوزير » العصامي » الطالب ولد سيد احمد ، مما ساهم في رفع  الآمال لدى فئات واسعة من العاطلين عن العمل ،معلنا اعتماده  على مشاريع التشغيل الذاتي، و عقد الشراكات مع القطاع الخاص ،  فهل كانت الاستراتيجية التي تقدم بها الوزير ضبابية ،وغير واقعية في جوانب كثيرة منها؟.

في 17 من ديسمبر 2021 اعلن الوزير امام العشرات من الشباب، وبحضور رئيس الجمهورية عن حصيلة عامين من عمله ،و التي تمثلت حسب تصريحاته في خلق 48 الف فرصة عمل دائمة و أزيد من 100 الف فرصة عمل ما بين مؤقتة وموسمية، كما تحدث عن ان نسبة البطالة تجاوزت 37 بالمائة.‎

وهنا تثور أسئلة جوهرية حول حقيقة وواقعية هذه الأرقام والمعطيات، ومفهوم الوزير لـ »فرصة عمل دائمة » ؟

وما هي القطاعات التي استوعبت هذه الأعداد؟

والسؤال الأهم كيف تم تامين 48 الف فرصة عمل دائمة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية للبلد؟

حقيقة الوضع

إن الأرقام التي اعلن عنها وزير التشغيل والتكوين المهني، تقتضي فهم الوضع الاقتصادي في موريتانيا، خصوصاً في ظل تداعيات جائحة كورونا. التي ضربت العالم خلال سنوات 2019-2020-2021 وخلفت وضعاً اقتصادياً متأزما.

لقد اعلن البنك الدولي في تقريره لعام 2020 تصنيف موريتانيا ضمن الدول الأقل تطورا، حيث حلت في المرتبة 160 من اصل 189 دولة حسب الترتيب العام المعتمد على مؤشر النمو البشري.

كما يرى المركز الموريتاني للدارات الاستراتيجية ان الاقتصاد الموريتاني تأثر بشكل كبير بسبب تداعيات الجائحة؛ حيث خسرت البلاد نصف صادراتها في عام 2019.

واضاف التقرير ان الناتج المحلي الإجمالي « خسر 9.5 نقطة بسبب الانكماش بنسبة 3.2 بالمائة مقابل توقعات في بداية 2020 بان يحقق نمواً يصل الى 6.3 بالمائة.

كما أكد نفس التقريران الجائحة « فاقمت العجز في ميزان المدفوعات، الذي انتقل من 805 مليون دولار سنة 2019 ليصل الى 1285 مليون دولار سنة 2020

ووصل العجز في الميزانية الى 7.247 مليار اوقية جديدة وهو ما يمثل 2.5 بالمائة من الناتج المحلي، وأرجع أسباب هذا العجز الى « ضغوط الجائحة والنفقات العاجلة لدعم القطاع الصحي ومساعدة المتضررين من الإجراءات

كما تأثر قطاع الخدمات بشكل كبير بسبب الإغلاق ما أدى الى تسريح نسبة كبيرة من العمال.

أرقام صاحب المعالي

جاء في التقرير الذي أصدرته الوزارة، انه تم توفير 48718 فرصة عمل دائمة، و 110163 وظيفة غير دائمة،  وفرت 75450 عبر العمل الحر

حيث أمنت الوظيفة العمومية 6800،و قطاع الزراعة 46598، وقطاع الصيد 12070،و قطاع المعادن (غير التعدين التقليدي) 2979،و التعدين التقليدي  43752، وفرص أخرى (خدمات عمل حر. الخ)  122352.122352

اذا ما انطلقنا من ان الوظائف الدائمة؛ هي من الناحية القانونية وظائف على وجه الاستمرار ويتمتع أصحابها بكافة الحقوق القانونية مثل الضمان الاجتماعي والتامين الصحي ،فانه وبالعودة للأرقام السابقة التي اعلنت عنها الوزارة نلاحظ ان القطاعات التي توفر وظائف يمكن اعتبارها دائمة، هي قطاعات الوظيفة العمومية، والصيد والتعدين الصناعي (التعدين غير التقليدي) اي ما يناهز 16677 وظيفة.

 بالرغم من ان تقرير الوزارة تحدث عن توفير 1000 فرصة عمل دائمة من طرف الاتحادية الوطنية للصيد، و 432 وظيفة دائمة امنها اتحاد الصناعة والمعادن والطاقة في اطار الاتفاقية التي وقعت الوزارة مع اتحاد ارباب العمل الموريتانيين.

ذلك انه لا يمكن اعتبار الوظائف التي يوفرها قطاع الزراعة وظائف دائمة بنسبة مائة بالمائة، حيث ان النسبة الأكبر من العاملين في مجال زراعة الأرز، يعملون من ثلاثة الى اربعة أشهر. إضافة الى ان الزراعة الموسمية او المطرية تعتبر نشاطاً إنتاجيا فصلياً وهو ما يجعل العاملين فيها عمالاً موسميين

وقد أشار تقرير الوزارة الى ان الاتحادية الموريتانية للزراعة وفرت 1500 وظيفة دائمة و 500 غير دائمة، و 6900 فرصة عمل موسمية، أي ما مجموعه 8950 وهو رقم بعيد كل البعد من 26930 الواردة في الحصيلة العامة للتشغيل

اما بالنسبة لقاطع التعدين التقليدي الذي وفر حسب وزارة التشغيل 43752 فرصة عمل لا تعتبر الوظائف التي يوفرها وظائف  دائمة.

و على مستوى قطاع الخدمات والأعمال الحرة المشغل الاكبر في موريتانيا، لا يمكن اعتباره قطاعا للتشغيل الدايم، وذلك بسبب غياب عنصر الاستمرارية في العديد من مجالاته. وذلك ما كشفت عنه تداعيات جائحة كورونا بجلاء، حيث فقد الآلاف في هذا القطاع عملهم بسبب الانغلاق الذي فرضته الحكومة في ظل التدابير الاحترازية. كما ان العقود المبرمة في هذا المجال توضح ان الوظائف التي يوفر هي وظائف موقتة، كما هو الحال مع مقدمي خدمة التعليم البالغ عدد حوالي 8000 معلم وأستاذ.

و ذكر التقريران الاتحادات التابعة للاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين وفر 2902 فرصة عمل دائمة في قطاع الخدمات، حيث امن اتحاد التجار 700 وظيفة دائمة و الاتحادية الوطنية للنقل 177 فرصة عمل دائمة، و الاتحاد الموريتاني للبنى التحتية 1000 فرصة عمل دائمة، و اتحاد الخدمات 250 فرصة عمل دائمة، و اتحاد المؤسسات المالية 395 فرصة عمل دائمة، و اتحاد السياحة 260 فرصة عمل دائمة، أي ما مجموعه 2902، وهو ما يمثل نسبة 2.37 بالمائة من وظائف القطاع الذي قدرته الوزارة ب 122352

خلاصة

من الواضح مما سبق أن توفير48718 فرصة عمل دائمة مازال أمرا بعيد المنال في ظل الوضع الاقتصادي الحالي. وهو شبه مستحيل في ظل غياب استراتيجية اقتصادية واقعية ،تنطلق من حقيقة انه لا يمكن خلق وظائف دائمة بشكل سريع وكبير، دون وجود استثمارات كبيرة في المجال الزراعي والصيد، و في مجال التعدين على وجه الخصوص. وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.

اما بالنسبة للوظائف غير الدائمة المعلن عنها من طرف الحكومة 110163 فهي تتركز اساسا في قطاعات التجارة، والتعدين التقليدي والزراعة. وفي ظل غياب مصدر موثوق حول المعطيات الإحصائية التي قدمتها الوزارة تبقى مجرد ارقام تضليلية .

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك