جميل منصور: ولد الغزواني نجح في اختبار النصف الأول من المأمورية

احتار الكثير من المراقبين في مواقف الزعيم الإسلامي والسياسي البارز محمد جميل منصور منذ انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، فرغم أن الحزب الذي أسسه جميل مع « إخوانه » يقف متقدما صف المعارضة، إلا أن ولد منصور كانت له مواقف إيجابية من النظام يرى البعض أنها خدمته أكثر من  الحزب الحاكم نفسه.

وفي كل مرة يؤكد جميل تمسكه بمواقف حزبه، مع استقلالية في التعبير عن خطوات يقوم بها النظام يرى الزعيم الاسلامي أنها تستحق التثمين في إطار سياسة الانفتاح العام والتشاور التي اتخذها النظام، خاصة أن التيار الإسلامي عانى كثيرا من الصدام مع الأنظمة السابقة.

ورغم كل ذلك ظلت لجميل مواقفه « الوسطية » أحيانا وعباراته « الضبابية » حسب البعض، أحيانا أخرى، ففي هذه المقابلة مثلا اعتبر عند حديثه عن النظام « أن الأمل موجود رغم منغصات تزيد وتنقص حسب منحنيات تؤثر سلبا وإيجابا على هذا الأمل فترفعه أو تهدده ».

على شاكلة هذه اللغة تحدث ولد منصور في هذه المقابلة عن عدة قضايا منها الموقف من الحوار المرتقب، وعن علاقته بالنظام الحاكم، إضافة إلى قضايا اقليمية في ضوء النتائج الأخيرة التي حصلت عليها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في بعض دول الجوار.

1-كل الشكر على التفضل بالموافقة على هذه المقابلة .. ما هو السؤال المركزي المطروح اليوم على كل الموريتانيين وهل تجدونهم باتوا جاهزين للإجابة عليه؟

بعد شكر مجابات على إتاحة هذه المساحة على صفحاتها، وبعد تهنئتها وتهنئة طاقمها على هذا الإصدار النوعي في ساحة ثقافية وإعلامية يغلب عليها المختصر السريع، يمكن القول إن السؤال المحوري المطروح على الموريتانيين هو سؤال الدولة، فبعد 60 سنة على نيل الاستقلال الوطني مازلنا نتساءل هل أسسنا دولة حديثة بالمواصفات المتعارف عليها في القانون والفكر السياسي، نعم لدينا كيان دولة ومؤسسات تعرف بها الدول، ولدينا قوانين تكاد تشمل مختلف المجالات التي تحتاجها الدولة، لدينا أشكال الدولة، ونجري الانتخابات بين الفينة والأخرى، ونمثل في العالم بسفارات وتمثل عندنا دول العالم بسفارات، من هذه النواحي لا إشكال، الإشكال في ثقافة الدولة ومنطق الدولة وإدارة الدولة، والمواطنة التي تنتمي للدولة، هنا الإشكال الذي يلزم أن نستبينه، والسؤال الذي ينبغي أن نطرحه، وأتصور أنه مطروح بإلحاج، وأنه آن الأوان لنطرحه على أنفسنا، وأن نجيب عليه على نحو يسهم في حل إشكالات عديدة في مجالات التوتر العرقي والانقسامية المتنوعة والكثيرة التي يعرفها مجتمعنا، لا يمكن تسيير الدول بالثقافة القبلية ولا بالثقافة الانقسامية عموما، لابد من الدولة المهيبة والعادلة، لابد من الدولة القوية والخادمة، لابد من الدولة المتماسكة والديمقراطية، إن هذه ثنائيات واجبة الجمع ولا تفاضل أو ترجيح بينها.

« إن السؤال المحوري المطروح على الموريتانيين هو سؤال الدولة »

 2-هل تؤشر الأصوات التي بدأت ترتفع داخل بعض أوساط المعارضة على أن فترة السماح التي منحتها بسخاء « غامض » للنظام الحاكم، قد شارفت على نهايتها؟، وهل يمكن النظر إلى التهدئة اليوم على أنها كانت وقتا ضائعا، قد يكلف المعارضة ثمنا سياسيا باهظا في المستقبل؟

لا أفضل استعمال مصطلح السماح ولا الفرصة، ولا أتصور أي طرف يعطيها تفضلا للآخر، الذي حصل هو أن رئيس الجمهورية الجديد الفائز في انتخابات 2019 اتبع منهجا مختلفا عن سلفه خطابا وعلاقات، وأبان عن استعداد لتهدئة الساحة السياسية وتطبيع العلاقات بين الفرقاء، وتجاوبت معه قوى المعارضة في عمومها، فتراجعت حدة النقد وغابت لغة التخوين، وإن وقع تباين بين الفينة والأخرى ترجمته بيانات أو ردود أو حوارات.

التهدئة تصلح خطوة أولية لتحسين الجو السياسي وتخفيف التوتر فيه، وقد كان، ولكنها لا تصلح سياسة في المدى الطويل وحتى المتوسط، من هنا كان لابد من الانتقال من التهدئة إلى الحوار أو التشاور حسب المصطلحات المستعملة، وقد تأخر الوقت عليه فكلما سارعنا بنقاش قضايانا وإشكالاتنا كلما أمكن التوصل إلى توافق حولها، أو إلى المقدمات والممهدات التي تقود لهذا التوافق ،وقد رأينا مصائر البلدان التي تسود فيها الحدية ويطغى فيها الاستقطاب، وكون ذلك غالبا ما يدفع للتوترات أو الانقلابات وخطرهما على البلدان استقرارا وديمقراطية متقارب.

لا تمنع أجواء التهدئة من حيوية النقاش السياسي والتدافع الميداني فبدونهما تفقد التعددية معناها وما تعكسه.

ليست التهدئة وقتا ضائعا، ولا أظن الثمن الذي ستدفعه المعارضة بسببها سيكون كبيرا، ولكنها مع ذلك أدت مهمتها وهيأت الأرضية لغيرها فأصبح متعينا وملحا، أعني الحوار الجدي ذا السقف المرتفع والمخرجات النوعية التي يفترض أن توضح خريطة طريق تعزز الوحدة الوطنية وتجسد دولة المواطنة، تفتح الأفق نحو حكامة عادلة ورشيدة، وتفضي إلى إصلاحات ديمقراطية وانتخابية جوهرية.

س3:هل ترون بأن الرئيس غزواني نجح في اختبار النصف الأول من المأمورية؟ وهل هناك من يضع العصى في دواليب نظامه ؟

بالنظر إلى طبيعة الميراث الذي وجده رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أمامه ،وبالنظر إلى تحديات البدايات ،وبالنظر لتزامن نصف المأمورية هذا مع جائحة كورونا، يمكن القول إن الرئيس قد نجح في اختبار النصف الأول من المأمورية خصوصا بالنظر للتوجهات العامة :

– التهدئة وتطبيع العلاقات السياسية بين الفرقاء

– التركيز على البعد الاجتماعي وتنفيذ برامج عديدة في هذا المجال واتخاذ خطوات لتحسين وضع قطاعات من الموظفين

– إعطاء دفع  للدبلوماسية الموريتانية، وإعادة بعض التوازن في علاقاتنا الخارجية.

ومع ذلك كانت هناك تحديات جوهرية ،كان أداء النظام فيها أقرب إلى عدم النجاح ومن أهمها :

–  تدبير ملف الارتفاعات المذهلة للأسعار، خصوصا في التعامل مع المضاربات والمضاربين، وفي بطء ومحدودية الإجراءات المواكبة لهذه الزيادات قصد تخفيف أثرها خصوصا على القطاعات الضعيفة من المواطنين، هذا مع مساوئ التطبيق التي عانت منها التدخلات الاجتماعية المختلفة.

– تدبير  ملف محاربة الفساد، فرغم لجنة التحقيق البرلمانية ورغم الاتهامات التي وجهت لبعض رموز العشرية السابقة، فإن الإجراءات والخطوات ظلت دون المستوى، واستغرب الناس عودة بعض المسلكيات وتعيين بعض الشخصيات والإبقاء على أخرى، وغياب العقوبات والإقالات أو على الأقل محدوديتها جدا.

– مستوى غربلة الإدارة وضخ الدماء الجديدة ذات الكفاءة والخبرة في مختلف القطاعات والمفاصل، والإبقاء على من جرب عجزه أو تأكد فساده في بعض المواقع المهمة.

وعلى كل حال قلتها من قبل ومازلت أقولها، الأمل موجود رغم منغصات تزيد وتنقص حسب منحنيات تؤثر سلبا وإيجابا على هذا الأمل فترفعه أو تهدده.

4- يلاحظ غياب شبه تام للنقاشات الفكرية وحتى السياسية والثقافية الرصينة داخل البلاد، بم تفسرون  هذا الغياب؟ وهل من أمل في أن تستعيد الساحتان الثقافية والسياسية شيء من ألقهما على الرغم من سيطرة ما يسميه البعض عصر « التفاهة »؟

صحيح هناك تراجع ملحوظ للنقاشات الفكرية والمطارحات السياسية الجادة، ولعل بعض الأسباب تشرح ذلك :

– هناك حضور أكثر للسياسيين العمليين الذين يتعاطون مع السياسة ممارسة أكثر منها ثقافة ، وهذا ما جعل الأبعاد الفكرية تكاد تغيب في التنافس السياسي والحرا ك الحزبي.

– هذا السيل الجارف من وسائل الاعلام السريعة والتي تفضل السرعة على العمق، والخبر على ما وراء الخبر، فغلبت التدوينات وقلت المقالات، وانتشرت التغريدات وغابت الدراسات وهكذا

– تراجع الاهتمامات الثقافية والفكرية والعلمية والأدبية، وتفضيل منتجي الثقافة والفكر الوظيفة المريحة والتعيين الكبير على خدمة وإنتاج ما يعرفون، ثم إن المثقفين تماهوا مع دوائر الانتماء التقليدية التي تضمن التصدر والحظوة، وبذلك فرطوا في صنعة الثقافة والفكر.

تحتاج الساحة الثقافية والسياسية إلى عودة الحيوية الفكرية ثم تطويرها، فعندما تعرف السوح الوطنية حراكا ثقافيا واسعا ندوات وحوارات وإصدارات، ويعرف المشهد السياسي نقاش الأفكار والمقاربات والتصورات والرؤى، حينها سيكون لنا شأن فنحن من البلدان التي تشتهر وتحيا باقتصاد المعرفة وتنمية الوعي والفكر لدى الإنسان.

« رغم لجنة التحقيق البرلمانية ورغم الاتهامات التي وجهت لبعض رموز العشرية السابقة، فإن الإجراءات والخطوات ظلت دون المستوى »

5-إضافة إلى الوضع المعقد أصلا في منطقة الساحل، تطل القضية الصحراوية من جديد برأسها من خلال عودة قعقعة السلاح؛ برأيكم أي المقاربات أنجع لبلادنا للتعاطي مع الانعكاسات المحتملة لهذا الوضع؟

نحن بلد يتأثر بما يجري حوله تأثرا بالغا وذلك لأسباب جغرافية وأمنية وديمغرافية واجتماعية، ولا يمكننا إلا أن نعطي اهتماما بالغا لما يجري في منطقة الساحل وفي جارتنا الكبرى، مالي، ومن هنا يعتبر تجمع G5 لدول الساحل خطوة موفقة مع حاجتها للمراجعة وإعادة ضبط الإيقاع، مع أن هذا التجمع يعاني اليوم مما تشهده بعض بلدانه من تطورات سياسية وأمنية مقلقة.

أما القضية الصحراوية فلبلادنا علاقة طويلة بهذا النزاع، بل كنا في يوم من الأيام أحد الفاعلين في الصراع والقتال وهو ما ترك آثارا بالغة السلبية على بلادنا وقواتها، واستقر الأمر بعد كثير من التطورات على مقاربة الحياد الإيجابي وهي المقاربة الممكنة لنا، فلا يناسبنا ولا نستطيع غيرها، وأي ميل عن هذه المقاربة ذو تداعيات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية لا نستطيع تحملها، وخلاصة هذه المقاربة أننا مستعدون لمساعدة الطرفين( المغرب وجبهة البوليزاريو) على التوصل إلى حلول توافقية بعيدا عن الحرب والقتال، وفي هذا السياق يلزمنا ضبط إيقاع العلاقة مع كل من الجزائر والمغرب، وهو أمر ليس بالسهل مع دولتين تفضل كل منهما أن تكون معها في كل مقاربتها.

مع ذلك لابد من الاستعداد لخيار الحرب – لاقدر الله – لأن إدارة الحياد في أجواء الحرب أصعب بكثير من إدارته في أجواء الهدوء ووقف إطلاق النار.

6-ماهي الرسائل التي يمكن استخلاصها من المشهد الانتخابي والسياسي في منطقة المغرب العربي بالنسبة لكم كتيار سياسي؟، وهل هناك خشية من تأثير ما حصل في هذه البلدان على حزبكم؟

بعض الناس يبالغ فيما آل إليه المشهد السياسي والانتخابي في المغرب العربي، ولا يعني ذلك تجاهله ولا تجاهل رسائله البالغة الأهمية للتيارات ذات المرجعية الإسلامية، إننا أمام تراجع انتخابي كبير في المغرب لحزب العدالة والتنمية، لا يكفي لتفسيره حجم تدخل السلطة ضد هذا الحزب، وأمام تراجع سياسي لحركة النهضة في تونس لا يستبعد أن يترجم انتخابيا في أول مناسبة قادمة، هذان الأمران المستجدان في الساحة المغاربية، وإلا فالإسلاميون أخذوا موقعا أحسن في آخر انتخابات في الجزائر، ويشكلون طرفا مؤثرا في المشهد الليبي، ويتصدرون المعارضة في موريتانيا.

ولأن التجربتين التونسية والمغربية تقدمان مثالا على النجاح والتألق – وهما كذلك رغم ما حصل – فإن الذي حدث في هذين البلدين حمل رسائل مهمة ومقلقة لعموم التيار الإسلامي وينبغي قراءتها جيدا، فممارسة السياسة لها أحكامها ومنطقها، وتدبير الشأن العام له خصوصيته وإكراهاته، وانتظارات الجماهير لازمة الاعتبار والاستحضار، ثم إن للواقعية والبراغماتية حدودا يلزم رسمها والالتزام بها.

أنا عضو في تواصل وصاحب رأي فيما يجري في بلدي، ولا يقلقني بل ولا يشغلني مستقبلي السياسي

7-هناك من يتساءل عن المستقبل السياسي للرئيس جميل، في ظل التغيرات التي طرأت على الحزب بشكل خاص ،والمشهد السياسي بشكل عام، ما هو رأيكم في هذا الموضوع؟

ليس محببا لدي الحديث عن مستقبلي السياسي، ولا أراه قضية تستحق النقاش، فأنا صاحب فكرة ومشروع أجتمع فيه مع عدد من الإخوة والأخوات، له أبعاد فكرية ونظرية أهتم فيها بمنزع التجديد والتطوير حتى نواكب العصر بتحدياته وأسئلته، وله أبعاد اجتماعية وحقوقية تنتصر للمظلوم وتتعلق بمثل الحرية والمساواة والانعتاق، وله ترجمة سياسية في مشروع حزبي ارتضاه عدد من الموريتانيين، كان لي شرف قيادته في مأموريتين ثم انتخب إخواني غيري في مشهد تداول للمسؤولية ليس مشتهرا عن قوى وأحزاب هذا المنكب البرزخي.

على كل حال أنا عضو في تواصل وصاحب رأي فيما يجري في بلدي، ولا يقلقني بل ولا يشغلني مستقبلي السياسي، يكفيني أن أسهم من أي موقع كان في مستقبل بلدي على قاعدة المرجعية الاسلامية والانتساب الوطني والخيار الديمقراطي.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك