رهانات العمل النقابي في ظل الأزمة الاجتماعية  

عبد الله ولد محمد الملقب (النهاه)

الأمين العام للكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا

يقوم العمل النقابي على ضرورة تشخيص الوضع في المجال المعني لفهم ما يعانيه من مشاكل ووضع تصورات تساعد في الحلول، وبالنسبة لنا في الكونفدرالية العامة لعمال موريتانيا

نرى أن بلدنا محكوم باقتصاد ريعي غير مندمج، يعتمد على قطاع الصناعات الاستخراجية، وفي مرحلة ما كان هناك استغلال محدود للبترول، ويلوح في الأفق مشروع الغاز المنتظر ،بالإضافة إلى الصناعات التحويلية التي تتميز بارتفاع تكلفة الإنتاج والاعتماد على أدوات ومواد مستوردة بالكامل والتي تتأثر بالكثير من العوامل العديدة الأخرى ،وقد تتعطل في مراحل لاحقة، وهناك قطاع الخدمات غير المنظم أصلا.

وتتأثر الزراعة المطرية في البلاد بنقص الامطار والاعتماد على الأدوات البدائية ،أما  الزراعة المروية  فتعاني من نقص البذور والأسمدة ،واستصلاح الأراضي ونقص الآليات ومصانع التقشير.

وبالعودة إلى قطاع الصناعات الاستخراجية: فهو قطاع يتميز بخاصيتين: فهو محدود التوزيع والمستفيدون منه دائما قلة، ولا يستوعب عمالة كبيرة ،وتبقى الاستفادة منه محدودة جدا، بالنسبة للبلدان التي لا تملك  أي صناعات تحويلية مرتبطة به.

 وقد تميزت السنوات الماضية بانسحاب الدولة لصالح الخواص، وبعودة الشركات متعددة الجنسيات، في حين لم يكن في الساحة غير الشركات الفرنسية، والفوائد المستخلصة من الشراكة مع هذه الشركات قليلة جدا مقارنة حسب الماضي البعيد، حيث لا تتجاوز 4% بالنسبة لـ MCM و 4.5% بالنسبة لتازيازت،  بينما كانت الاتاوات المترتبة على ميفرما 5%. ولم تعد الدولة اليوم موجودة إلا في شركة اسنيم ، التي تم تهديدها بالخصخصة سنة 2008.

أزمة اجتماعية

وقد نجم عن الوضع الاقتصادي حالة اجتماعية سيئة، فعلى مستوى التعليم أصبحنا من أضعف البلدان في مجال الكفاءات الفنية المختصة نظرا لعدم مواءمة النظام التربوي مع سوق العمل ،والاستمرار في تخريج أجيال غير مؤهلة لولوج سوق العمل. وبدلا من أن يصبح هذا النظام وسيلة للترقية والاندماج الاجتماعي أصبح عاملا مساهما في تفاقم الازمة الاجتماعية ،ووفق أرقام صادرة عن المعهد التربوي الوطني فإن أقل من 1% من التلاميذ الذين دخلوا التعليم الأساسي هم من تحصلوا على شهادة الباكالوريا.

 أما التغطية الصحية، فبالإضافة إلى رداءتها أصلا، فالمؤشرات الرسمية تبين عن عجز يصل لأكثر من 1000 طبيب. وتشير المعطيات الاحصائية رغم الحاجة لتحيينها، إلى تجاوز معدلات الفقر ل 40%،وربما أكثر، وكذلك الحال بالنسبة للبطالة التي تتجاوز40% ،خصوصا في صفوف الشباب والنساء، ويؤكد آخر مسح في المجال منذ سنين إلي أن  موريتانيا بحاجة إلي خلق سبعين ألف فرصة عمل سنويا وعلي مدى العشر سنوات القادمة للقضاء علي البطالة ،وفي هذا  المجال فإن القرارات التي تم اتخاذها برفع سن التقاعد في القطاعين العام والخاص لا تساعد على تحقيق هذا الهدف.

Description : C:\Users\13178\Desktop\مطالب.jfif

وقفة عمالية

وقد جاءت مختلف هذه الاوضاع في سياق يطبعه ضعف الحكامة السياسية والاقتصادية ،واستمرار العراقيل المقيدة للعمل النقابي، فعلى مستوى التنظيم ما تزال التشريعات تعتمد نظام الترخيص المسبق لدى النظام بدل نظام التصريح ،كما تستمر حالة ضعف آليات فض النزاعات الفردية و الجماعية كمحاكم ومفتشيات الشغل(علي مستوي التنظيم والصلاحيات و الوسائل).

مفاوضات معلقة

وفي المحصلة أصبحت الوضعية العامة  تتميز باختلال موازين القوى لصالح المشغلين، بفعل التشرذم  غير العقلاني للحركة النقابية ،وتمييع السلطة  للعمل النقابي ،فالحركة النقابية  التي تبقى مهمتها الأساسية هي التفاوض مع المشغلين من أجل تحسين تشريعات العمل والنظم ،والاتفاقيات الجماعية لتحسين ظروف العمال،  لم يعد لها دخل في المسألة لأن التفاوض أصبح رهينة لإرادة السلطة وحدها. وقد أدى غياب التفاوض لعدم مواءمة النصوص مع مختلف التطورات. ويساهم غياب ثقافة المفاوضات الجماعية في تكريس الوضع القائم، وما يحصل من مفاوضات كثيرا ما يتم في سياق متوتر وبضغط  من العمال، وهذا ما يؤدي إلى تدني مستوى المعيشة وغياب العدالة  في توزيع الثروة.

ويعود غياب التفاوض عمليا إلى رفض الحكومة لتجديد  التمثيلية النقابية ،فالحكومات المتعاقبة ماتزال تماطل في حسم هذه التمثيلية  ،وتمييع العمل النقابي في بلادنا.

 فمن أجل تلبية متطلبات التفاوض حدد المشرع الوطني،  وكذلك التشريعات الدولية ضرورة تحديد التنظيمات التي يحق لها التفاوض، على مختلف المستويات باسم العمال لأن حق التنظيم لا يخول تلقائيا حق التمثيل، فالمادة 90 من مدونة الشغل تنص على أن المنظمات النقابية التي لها صفة التمثيل هي وحدها من تملك الحق في التفاوض باسم العمال  ،وهي صفة يمنحها وزير التشغيل على أساس معايير محددة في المادة 265 من نفس المدونة.

وقد تم دفع الحكومة بعد ضغوط عديدة  للسير في هذا الاتجاه منذ سنة 2008 ،إلا أنه في سنة 2014 اتخذت السلطة حينها قرارا متهورا بتعليق انتخابات المناديب في البلاد، ما دفع النقابات للشكوى لدى المنظمة الدولية، حيث تم استئناف العملية في 2017، غير أن الحكومة تراجعت ،ولم تحترم التزاماتها ليعود الوضع لما كان عليه.

مواجهة التحديات

كثيرة هي تحديات عالم الشغل في بلادنا، ولعل أهمها:

  • تآكل الترسانة القانونية التي تحكم العلاقات المهنية في البلاد.
  • انهيار منظومة التأمين الاجتماعي التي تأسست في سياق نشأة الدولة منذ الستينات.

وفي ظل الوضع الاجتماعي اليوم ،لم يعد من الممكن للحركة النقابية أن تساهم في حلحلة الأوضاع الاجتماعية، دون حسم الخارطة على مستوى الساحة العمالية ،وبناء مؤسسات نقابية حقيقية ،كما أنه يتحتم على الحكومة الدفع بالبلاد نحو خيارات اقتصادية جديدة تجعل من القطاع الزراعي رافعة للاقتصاد الوطني ،وتسريع وجود اقتصاد مندمج ،وإصلاح النظام التربوي ليتمكن من القيام  بدوره المطلوب.

والحركة النقابية مدعوة لتعزيز وتقوية المنظمات العمالية وتقوية أطر الحركة النقابية ،وفرض احترام النصوص المنظمة للمفاوضات الجماعية.

ويرتبط  تطور الأوضاع بتقدم الممارسة الديمقراطية، لأنه عندما تستمر المنظومة الحاكمة في الاعتماد على عامل القوة ،فإن ذلك من شأنه أن يضعف آليات النضال المدني المشروعة، ويجعل القوى المدنية غير قادرة على التكفل بمطالب الناس ،ما سيقود لتراكم الإحباطات، واحتمال الانفجارات الفوضوية المفاجئة، بغض النظر عن المظهر الذي يمكن أن تأخذه، ومكمن الخطورة هنا هو غياب الإطار التنظيمي القادر على تنظيم هذه الحركة الجماهيرية للوصول بها إلى نتيجة في إطار التماسك الاجتماعي واستقرار البلاد.

ولا يوجد طريق أسلم من العودة للتفاوض في سياق ديمقراطي، لأن قوة نظام حاكم لا يمكن أن تقاس بعدد الأسلحة  الموجودة في مخازنه ،وإنما بمستوى تقبل السكان للقرارات العامة المتخذة من  قبل السلطة.

ونحن في الكونفدرالية  العامة لعمال موريتانيا نطمح لتجذير المماسة الديمقراطية، ومن وجهة نظري لا يمكن أن يحدث ذلك إلا عندما يأتي المواطنون بمن يحكمهم مباشرة من الشارع، وليس من خلال المنظومات الحاكمة، والحاجة اليوم ماسة للعبور بالبلاد نحو تحول ديمقراطي يمكن في ظله حلحلة الملفات الكثيرة العالقة.

مقالات ذات صلة

ابرز قصص مجبات على فيسبوك